الجماعات المتطرفة

القاعدة

تعود بدايات ظهور القاعدة على الساحة الدولية الى سنوات العقد الأخير من القرن الماضي وتحديداً بين عامي 1989 و1999، أي بعد عام واحد من تأسيسه سنة 1988، حيث برز كتنظيم جهادي دولي يعمل من خلال شبكة إرهابية واسعة يمتد نفوذها إلى إفريقيا ودول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. تحول التنظيم انطلاقاً من قاعدته في أفغانستان الى كيان عالمي فاعل يتمتع بقدرات وإمكانيات مهولة في تقييم العمليات القتالية والتخطيط لها وتنفيذها، ناهيك عن خبراته الواسعة في تجنيد الجهاديين وتدريبهم وتلقينهم الأيديولوجيات والأفكار المتطرفة.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي أودت بحياة حوالي 3000 شخص في نيويورك وواشنطن، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً واسعة ضد القاعدة وحلفائها (طالبان) في أفغانستان في محاولة لتضييق الخناق عليهم. إلا أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كانت بمثابة حياة جديدة بعثت في روح التنظيم. وتزامن ذلك مع ظهور تنظيم داعش وتصدره المشهد الجهادي وعناوين الصحف والأخبار العالمية، فاستغلت القاعدة ابتعادها عن الأضواء لتقوية شبكاتها وتثبيت جذورها، وتبنت سياسة الصبر الاستراتيجي، التي عمل على تصميمها أيمن الظواهري، لتعزيز وجود التنظيم في العديد من المناطق غير المستقرة في العالم الإسلامي. لكن وبعد مرور سبع سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية، عاود التنظيم بالظهور مجدداً على الساحة العالمية بصورة المنتصر الأكبر بين الجماعات المتطرفة، واستأنف دوره في قيادة المشروع الجهادي العالمي

الوقت المقدر لقراءة التقرير 13 دقائق
07.10.2022

  لمحة عامة

تنظيم القاعدة هو تنظيم جهادي سلفي متطرف أسسه أسامة بن لادن عام 1988 بالتعاون مع مسلحين غالبيتهم من العرب الذين قاتلوا ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي. يسعى التنظيم العابر للحدود إلى استخدام القوة والسلاح ضد الحكومات المسلمة “المرتدة” وحلفائهم الغربيين، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.

شنت القاعدة خلال العقدين الماضيين عشرات الهجمات الإرهابية المعقدة وواسعة النطاق في جميع أنحاء العالم واستهدفت فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، والبداية كانت من تفجيرات عام 1998 لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وتفجير يو إس إس كول عام 2000 في اليمن، وهجمات 11 سبتمبر، إضافة إلى تفجيرات بالي عام 2002، وتفجيرات مدريد عام 2004 وتفجيرات لندن عام 2005.

انضم رجل الأعمال السعودي بن لادن إلى الجهاد الأفغاني ضد الغزو والاحتلال السوفيتي عام 1980، وسرعان ما أصبح عضواً رئيسياً في حركة المجاهدين التي كانت تقاتل ضد الغزاة السوفييت لطردهم من البلاد، وأنشأ منظّمة دعويّة أسماها «مكتب  الخدمات» في بيشاور، باكستان، بالتعاون مع عبد الله عزام، الداعية الفلسطيني البارز الذي يُنظر إليه على أنه الأب الروحي للحركة الجهادية الحديثة.

لعب «مكتب الخدمات» دوراُ حيوياً في إنشاء بيوت ضيافة ومعسكرات تدريبية خاصة بالمتطوعين العرب الراغبين في القتال ضد الاتحاد السوفيتي، لكن مع قرار الأخير سحب قواته تدريجياً من أفغانستان بعد تسع سنوات من الغزو الدموي المُكلِف والمقاومة الأفغانية العنيفة، قرر بن لادن وعزام استغلال هذا الانتصار الحاسم وتحويل شبكة المقاومة الأفغانية التي عملوا على بنائها لسنوات إلى منظمة جهادية عابرة للحدود. ومعاً، أسسوا تنظيم القاعدة، لحشد جميع المجاهدين تحت راية واحدة وشن حرب سلفية جهادية ضد الغرب وحلفائه في العالم الإسلامي وأماكن أخرى.

سعى بن لادن في أعقاب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان إلى بناء الشبكة المالية والإدارية والعسكرية للقاعدة، وعمل على بناء جيش جهادي عابر للحدود مدفوعاً بعدة أسباب أهمها الغزو العراقي للكويت عام 1990 والوجود العسكري الأمريكي في الخليج. وتمثلت أسمى أهداف التنظيم حينها في بناء تحالفات والبحث عن ملاذات آمنة لمقاتليه، وتوسيع الرقعة الجغرافية لعملياته وتأمين موارد مالية جديدة. 

تعود بدايات ظهور القاعدة على الساحة الدولية الى سنوات العقد الأخير من القرن الماضي وتحديداً بين عامي 1989 و1999، أي بعد عام واحد من تأسيسه سنة 1988، حيث برز كتنظيم جهادي دولي يعمل من خلال شبكة إرهابية واسعة يمتد نفوذها إلى إفريقيا ودول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. تحول التنظيم انطلاقاً من قاعدته في أفغانستان الى كيان عالمي فاعل يتمتع بقدرات وإمكانيات كبيرة في تقييم العمليات القتالية والتخطيط لها وتنفيذها، ناهيك عن خبراته الواسعة في تجنيد الجهاديين وتدريبهم وتلقينهم الأيديولوجيات والأفكار المتطرفة. 

وفي شهر فبراير/شباط عام 1998، أصدر بن لادن وأيمن الظواهري وثلاثة قادة لمجموعات متطرفة فتوى شرعية تحرض على الجهاد ضد الولايات المتحدة، زاعمين أنها أعلنت الحرب بشكل واضح على الله ورسوله والمسلمين من خلال “احتلالها” للأراضي الإسلامية المقدسة وعدوانها المستمر على المسلمين. وحثت الفتوى جميع المسلمين على استهداف المدنيين والعسكريين الأمريكيين وحلفائهم في كل مكان، وأكدت أن الجهاد هو الحل لمقاومة الصليبيين. كما كشفت الفتوى عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين” وهو تحالف ثلاثي جمع بين تنظيم القاعدة في أفغانستان والجهاد الإسلامي في مصر وجماعة العلماء الباكستانية.  

ولم يمضِ سوى أشهر قليلة بعد إصدار الفتوى حتى انطلقت القاعدة في هجمات إرهابية متزامنة بشاحنات مفخخة على سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي، كينيا ودار السلام بتنزانيا، أسفرت عن مقتل 244 شخصاً، بينهم 12 أمريكياً، وإصابة حوالي 5000 آخرين، من بينهم مسلمين. لقد كان استهداف القاعدة لمواقع حساسة وتنفيذهم لعمليات إرهابية المعقدة خلفت آلاف الضحايا من الأبرياء أحد أهم الأسباب التي وضعته تحت المجهر العالمي وأدت إلى تصنيفه كمصدر تهديد رئيسي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والمسلمين.

وقوبلت الجهود الدبلوماسية والعسكرية الأميركية لاحتواء التهديد المتزايد للقاعدة، بمضاعفة الأخيرة جهودها أوائل عام 1999 لتنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف حيوية داخل الأراضي الأمريكية، فأعطى بن لادن الضوء الاخضر على ما سُمِيَ بـــ “عملية الطائرات”، المخطط الهجومي الذي حاكه أحد كبار عناصر القاعدة خالد شيخ محمد، بعد التأكد من أن الخطة تحقق معظم أهداف التنظيم أهمها توجيه ضربة موجعة للولايات المتحدة، وإيصال رسالة قوية الى العالم، لاسيما لأتباعها والمتعاطفين معها، أن القاعدة قادرة على تنفيذ أعتى هجوم إرهابي في التاريخ ضده أقوى أمة على وجه الأرض.

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي أودت بحياة حوالي 3000 شخص في نيويورك وواشنطن، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً واسعة النطاق على أفغانستان ضد القاعدة ومؤيديها في طالبان، وأطاح الغزو الأمريكي آنذاك بحكومة طالبان وأدى إلى تدهور كبير في صفوف القاعدة وقدراتها العسكرية في أفغانستان. وقد أثمر التعاون العالمي الذي لم يسبق له مثيل في حرمان القاعدة من الملاذات الآمنة وعرقلة مساعي عناصر التنظيم والمتعاطفين معه لتنفيذ هجمات إرهابية خطيرة، ومن هنا بدأت مرحلة التشكيك في الحكمة من حرب بن لادن على أمريكيا خاصة من قبل عدد كبير من الإسلاميين في مختلف أنحاء العالم، لاسيما بعدما تسببت الحرب في إنهاء حكم طالبان لأفغانستان، الحكومة الوحيدة في العالم التي تطبق مبادئ الإسلام بحذافيره من وجهة نظر المتطرفين.

وبالرغم من الجهود الأمريكية الحثيثة للقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان، إلا أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كان بمثابة حياة جديدة بعثت في روح التنظيم وفرصة لا تعوض للنهوض لتعزيز شعبيتها. فقد نجح بن لادن وقادة القاعدة الآخرون في تصوير سقوط بغداد، المدينة التاريخية العريقة والمجيدة في أذهان ملايين المسلمين، على أنه “عدوان صليبي” يهدف إلى تدمير الأمة الإسلامية التي لطالما اعتز بها المسلمون في شتى أصقاع الأرض.  

ومن هنا، تحولت العراق إلى بؤرة جديدة لأنشطة القاعدة بعدما استغلت حالة الشغبوالاضطرابات السياسية والعسكرية التي أعقبت الغزو، والتوترات المتزايدة بين الشيعة والسنة لتعزيز نفوذها على الأرض، فتمكنت من تجنيد آلاف المقاتلين الأجانب الذين انضموا الى صفوفها لمحاربة القوات الأمريكية والقوات الغربية المتحالفة معها وقوات الأمن العراقية. وخلال تلك الفترة، تمكن تنظيم القاعدة من توسيع دائرة الإرهاب العالمي إلى أوروبا والمشرق العربي ومنطقة الخليج وصولاً إلى شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء،

وبينما كان أبو مصعب الزرقاوي، الجهادي الأردني الذي أعلن ولائه للقاعدة يشن حرباً طائفية شرسة في العراق، تمكن التنظيم في أوروبا من شن هجمات دموية واسعة النطاق خلفت أكثر من 250 قتيلاً استهدفت إسبانيا في 11 مارس / آذار عام 2004 وفي المملكة المتحدة في 7 يوليو 2005. ويعتبر هجوم لندن العملية الأخيرة التي خططت لها ونسقتها القيادة الرئيسية للقاعدة.

تحولت القاعدة خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2011 وبعد الانتكاسات التي مرت بها في العراق والمملكة العربية السعودية والجزائر، إلى شبكة عالمية مكونة من مجموعات محلية وإقليمية تحظى بمستويات مختلفة من الحكم الذاتي. لكن استمر بن لادن وأيمن الظواهري خلال تلك الفترة في تقديم النصح والإرشاد الديني والإستراتيجي لهم من مخابئهم في المناطق القبلية بين باكستان وأفغانستان، مع مواصلة الإشراف على تنفيذ عمليات إرهابية في باكستان وأفغانستان كما دعموا عودة طالبان إلى سُدة الحكم في أفغانستان. وفي تلك الأثناء، تنامت قوة بعض الجماعات الموالية للقاعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب شرق آسيا، لتصبح مراكز القوة والثِقَل الجديد للقاعدة.

ومع إصدار إدارة أوباما قراراً يقضي بزيادة الضربات العسكرية ضد القيادة العليا لتنظيم القاعدة باستخدام الطائرات بدون طيار، بدأت التنظيم يمر بحالة من الضعف لاسيما على طول الحدود الباكستانية الأفغانية وازدادت الأمور سوءاً وتعقيداً بعد مقتل بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية في مايو 2011 أثناء تواجده في مجمع سكني في أبوت آباد، باكستان. كانت هذه الضربة هي الأقسى والأشد التي يتلقاها تنظيم القاعدة في تاريخيه، فلم تفقد القاعدة مؤسسها وزعيمها فحسب، بل خسرت أيضًا أهم رموزها وأكثر مفكريها ومحدثيها تأثيراً. تولى الظواهري، الذراع الأيمن لــ بن لادن والذي سبق وان قاد حركة الجهاد الإسلامي في مصر، قيادة القاعدة بعد مقتل بن لادن، وتمكن من الحفاظ على روح التنظيم واستمر في تقديم التوجيهات الاستراتيجية للخلايا التابعة للقاعدة في جميع أنحاء العالم على الرغم من افتقاره إلى الكاريزما التي حظي بها سلفه.

وقد ترافق مقتل بن لادن مع اندلاع الانتفاضات في بعض الدول العربية عام 2011 الأمر الذي لم يكن بالحسبان بالنسبة الى قيادة القاعدة، إلا أنها استشعرت بوجود فرصة سانحة يجب استغلالها مع تحول بعض هذه الانتفاضات إلى حروب أهلية. ومع تزايد حالة العنف والفوضى، وجد التنظيم نفسه أمام فرصة لا تعوض لتعزيز مصالحه الأيديولوجية،  وتوسيع نفوذه وتقوية شبكاته في المجتمعات الضعيفة التي تعاني أصلاً من انهيار أجهزتها الأمنية والسياسية، الأمر الذي استلزم إجراء بعض التحولات المهمة في استراتيجيتها، تمثلت أبرزها في دعوة الظواهري لعناصر القاعدة إلى التركيز أكثر على مناطق معينة دون غيرها و ضرورة تثبيت أقدامهم فيها، حيث هدفت الاستراتيجية التوطينية إلى توسيع قاعدة العمل السلفي الجهادي على المستوى المحلية والإقليمي، وقرصنة الانتفاضات وتأليب الشعوب ضد الحكومات.

ومع تصاعد وتيرة الحرب بين الحكومة السورية وقوات المعارضة، بدأت القاعدة تنظر إلى سوريا كمركز استراتيجي جديد للجهاد ضد العدو القريب، والحكومات العلمانية والموالية للغرب، وفي يناير عام 2012، ظهرت جبهة النصرة التابعة للقاعدة على الساحة السورية وقاتلت باسم القاعدة. لكن لم تسر الأمور كما هو مخطط له فقد وجدت القاعدة أمام منافسة شرسة مع جماعة إرهابية أكثر تطرفاً – داعش والتي اكتسحت الساحة السورية والعالمية بسرعة رهيبة

شكّل الظهور السريع لداعش إلى جانب وحشيته تهديداً خطيراً للقاعدة، لاسيما بعد تمكنه من استقطاب وتجنيد آلاف الجهاديين الذين تدفقوا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوفه في أعقاب نجاح دعايته الإعلامية المغرضة على شبكة الإنترنت واستخدامه العنف المفرط فضلاً عن تبنيه مفهوماً متشدداً للسلفية الجهادية، وما زاد الطين بلةً  بالنسبة إلى القاعدة انشقاق بعض الجماعات الإرهابية التابعة لها وإعلان ولائها لداعش، على عكس الجماعات الموالية في الصومال وسوريا والمغرب العربي والساحل واليمن والتي استمرت في ولاءها للظواهري. لكن خلُصت قيادة القاعدة آنذاك أن استمرار داعش في نهج الاستيلاء على مدن بأكملها وشن حرب عالمية ضد الجميع لن يحقق سوى انتصارات فارغة وقصيرة المدى وستفشل في نهاية المطاف وكانت في واقع الأمر محقة في ذلك.

استغلت القاعدة تصاعد سيطرت داعش على المشهد الجهادي وتصدرها عناوين الأخبار العالمية، في تقوية شبكاتها بصمت وترسيخ جذورها. ولا شك أن اتباع سياسة “الصبر الاستراتيجي”، التي أعدها الظواهري بعناية، أسهمت وبشكل كبير في تقوية القاعدة في معظم المناطق غير المستقرة في العالم الإسلامي. وبعد سبع سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية، عاود التنظيم للظهور من جديد على الساحة العالمية لكن بصورة المنتصر الأكبر بين الجماعات المتطرفة، واستأنف دوره في قيادة المشروع الجهادي العالمي، الأمر الذي أكدته هجمات شارلي إبدو عام 2015 في باريس وتفجيرات سان بطرسبرج عام 2017 والتي أثبتت أن القاعدة لا تزال قادرة على تنفيذ هجمات كبيرة ضد الغرب وروسيا.

أما في السنوات الأخيرة ورغم استمرار الجماعات الموالية في التوسع واكتساب النفوذ على الأرض، تم القضاء على عدد كبير من قادة التنظيم. ففي عام 2019، قضت القوات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل على القيادي البارز في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مايشو. وفي ضربة موجعة لأحد أقوى فروع القاعدة في المغرب العربي، تمكن الجيش الفرنسي من اغتيال عبد الملك دروكدال زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عملية نوعية شمال مالي. وفي نفس العام، وردت تقارير تؤكد مقتل أبو محمد المصري، العضو المؤسس للقاعدة والعقل المدبر لتفجيرات السفارة الأمريكية عام 1998 في كينيا وتنزانيا، في إيران.

في الآونة الأخيرة وبعد 11 عاماً من مقتل بن لادن، لاقى الظواهري حتفه في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في كابول، أفغانستان يوم 31 يوليو 2022. ما يفتح الطريق أمام ثالث انتقال للإمارة فقط في زعامة القاعدة رغم كونه أكثر تنظيم إرهابي مستهدف عالمياً. وبالرغم من اسلوبه الخطابي القديم وافتقاره إلى الكاريزما الذي حظي فيها سلفه، استطاع الظواهري الحفاظ على تماسك القاعدة وتمكن من إعادة تنظيم صفوف المقاتلين لتبقى القاعدة في طليعة التنظيمات الجهادية الأبرز عالمياً، برغم الضغوطات التي تسبب فيها داعش وانشقاق أحد أقوى الجماعات الموالية في سوريا- جبهة النصرة، عام 2016.

الجماعات التابعة للتنظيم   

يمكن تعريف القاعدة اليوم على أنها شبكة عالمية من الجماعات الإقليمية الموالية التي يُتوقع أن تنتقل إليها بعض الصلاحيات التي كانت تقع في يد القيادة المركزية قبل وفاة الظواهري لاسيما فيما يتعلق بالتخطيط للعمليات الإرهابية. لقد كانت القيادة المركزية للقاعدة وعلى رأسها الظواهري على قناعة تامة بأهمية ودور الجماعات الموالية في إضعاف الحكومات “المرتدة” وإقناع المجتمعات في العالم الإسلامي بدعم أهداف التنظيم الأساسية المتمثلة في محاربة الغرب، لذلك ومع اندلاع الانتفاضات العربية وعموم حالة الفوضى في مختلف أرجاء المنطقة، حرضت القاعدة جماعاتها الموالية على دعم تطلعات المكونات الضعيفة في محاولة لبناء الثقة والشرعية اللازمة لمشروع القاعدة طويل الأمد.

وتتضمن أبرز الجماعات الموالية للقاعدة ما يلي:

القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

ظهر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لأول مرة في الجزائر باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال عام 1998، والتي كانت في حينها واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية وأكثرها نشاطًا خلال تسعينيات القرن الماضي. تحولت الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 11 يناير 2007. واضطرت إلى نقل قاعدة عملياتها إلى منطقة الساحل في عام 2008 إثر تعرضها لضغوطات كبيرة بفعل عمليات مكافحة الإرهاب داخل الجزائر. ونجحت في استغلال المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مناطق الساحل الشاسعة التي كانت تعاني أصلاً من سوء الإدارة والحكم وتمكنت من نيل دعم من الجماعات المتمردة والإجرامية.

شكلت انتفاضات عام 2011 في شمال إفريقيا الجماعة فرصة ذهبية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لتعزيز مكاسبه على الأرض وتوسيع دائرة نفوذه، واستطاع الحصول على كمية كبيرة من الأسلحة المهربة بين ليبيا وشمال مالي، لاسيما بعد سقوط نظام معمر القذافي في طرابلس. كما انتهز التنظيم حالة الفوضى التي أعقبت الانقلاب في مالي عام 2012 للسيطرة على عدد من البلدات في شمال البلاد بالتعاون مع جماعات الطوارق المحلية، حيث طبق تفسيره المتطرف للشريعة الإسلامية. ومع ذلك شهدت القاعدة في المغرب العربي حالة من الضعف بعد ظهور وانشقاق عدد من الجماعات عن صفوفها على أسس قبلية وشخصية. كان أبرزها جماعة المرابطون (شبه المستقلة)، التي أسسها الإرهابي الجزائري المعروف مختار بلمختار عام 2013، وجماعة أنصار الدين، التي أسسها إياد أغ غالي، أحد زعماء الطوارق المتشددين في عام 2012.

شنت فرنسا في عام 2013 عملية عسكرية واسعة النطاق على مالي بهدف تقويض قدرات تنظيم القاعدة في منطقة الساحل وتمكنت فرنسا من استعادة جميع المدن في شمال مالي من قبضة التنظيم، وقتلت آنذاك زعيم القاعدة في منطقة الساحل، أبو زيد، في حين تمكن قادة آخرون من الفرار إلى مناطق صحراوية في الأجزاء الجنوبية الغربية من ليبيا.

لكن سرعان ما عاود تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي استعادة قوته مع تصعيد عملياته العسكرية بعد قيام البعثة الفرنسية بتغيير مسار جهودها لتتحول البعثة من حملة عسكرية لاستعادة نفوذ وسيطرت الحكومة المالية في الشمال إلى مجرد داعم للجهود الإقليمية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، واستهدف تنظيم القاعدة بشكل أساسي قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش المالي. وفي عام 2015، تصاعد تهديد التنظيم بشكل كبير مع تزايد هجماته الإرهابية النوعية على المراكز الحضرية الكبيرة، التي كان من أبرزها حادثة إطلاق النار العشوائي في فندق راديسون بلو في مالي خلال شهر نوفمبر 2015، واعتداءات أخرى في شمال بوركينا فاسو والنيجر وساحل العاج. 

أما في العام 2017 وتحديداً في شهر مارس، شهدت مالي ظهور جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة غالي والتي تشكلت من تحالف الجماعات الموالية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لطرد القوات الأجنبية (خاصة القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة) من مالي، وإنشاء دولة إسلامية في الأجزاء الشمالية من البلاد. تألفت المنظمة من جماعة المرابطون وأنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.  

شهدت الفترة الواقعة ما بين عامي 2017 و2020 زيادة كبيرة في سلسلة الهجمات التي نفذتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث أسفرت الحرب الجهادية إلى نزوح الملايين الأبرياء وخلفت ما يزيد عن 8000 قتيل، وامتدت هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى شمال ووسط وشرق بوركينا فاسو. لكن في يونيو 2020، حدث مالم يكن بالحسبان حيث شنت القوات الفرنسية وبدعم من القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، عملية نوعية أسفرت عن مقتل دروكدال، زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بالقرب من الحدود الجزائرية المالية. يعتبر دروكدال العقل المدبر وراء العمليات التوسعية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل، وزعيم الجماعة منذ إنشائها عام 2007. وقد خلفه في قيادة التنظيم الإرهابي الجزائري المخضرم أبو عبيدة يوسف العنابي بعد خمسة أشهر فقط من مقتل دروكدال.

حركة الشباب المجاهدين

حركة الشباب المجاهدين، وتُعرَف اختصاراً باسم “الشباب”، هي واحدة من أكبر وأعنف الجماعات الموالية للقاعدة على مستوى العالم، ترجع في بداياتها الى اتحاد المحاكم الإسلامية الصومالي حيث كانت أحد الأفرع التابعة له، واتحاد المحاكم هو عبارة عن تحالف من فقهاء إسلاميين تطور من منظمة قضائية إلى نظام سياسي يحكم الأراضي الصومالية بعد الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس سياد بري في عام 1991. وقد حكم اتحاد المحاكم الإسلامية الصومال لمدة ستة أشهر في عام 2006.

تأسست حركة الشباب المجاهدين رسمياً في عام 2006 وتطورت لتصبح أحد أبرز الجماعات المسلحة في أعقاب الغزو الإثيوبي للصومال، والذي أفضى إلى طرد اتحاد المحاكم الإسلامية من مقديشو في نفس العام. أدت العملية العسكرية الإثيوبية، التي جاءت بناءً على طلب الحكومة الانتقالية الصومالية، الى ارتفاع قدرة الشباب المجاهدين على تجنيد المقاتلين والتوسع في مناطق شاسعة في وسط وجنوب الصومال.

أعلنت حركة الشباب المجاهدين الولاء لتنظيم القاعدة في عام 2012، ومنذ ذلك الحين، أصبحت تعمل بصفته رسمية على أنها الفرع الرئيسي للقاعدة في شرق إفريقيا لكن سرعان ما قُتل زعيمها، ففي عام 2014 شنت القوات الأمريكية غارة جوية أسفرت عن مقتل أحمد عبدي غودان، زعيم حركة الشباب منذ عام 2008. والذي شهدت فترة قيادته تنفيذ هجمات إرهابية تعدت حدود الصومال كان أبرزها التفجير الإرهابي في العاصمة الأوغندية كمبالا في عام 2010، والهجوم على مركز ويست جيت التجاري في نيروبي عام 2013، والهجوم الانتحاري على مطعم في جيبوتي عام 2014.

وقد لوحِظَ منذ مطلع العام الجاري وبالرغم الجهود الكثيفة لإضعاف الجماعة على مدار السنوات السابقة، أن حركة الشباب المجاهدين مازالت تمتلك من القدرات والإمكانيات التي تؤهلها لشن عمليات تمرد طويلة الأمد ضد الحكومة في مقديشو وقوات البعثة الأفريقية في الصومال. كما تحظى اليوم بوجود قوي في الجنوب، حيث تجمع الضرائب وتمارس السلطة السياسية والقضائية، بل وتسيطر على بعض طرق الإمداد الرئيسية.

القاعدة في شبه الجزيرة العربية

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو تنظيم متطرف يتخذ من اليمن مقراً له ويتبع لتنظيم القاعدة، تأسس عام 2009 ويعتبر أحد أهم وأكثر أفرع التنظيم دمويةً على مستوى المنطقة. تعود بدايات ظهور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى ثمانينيات القرن الماضي بعد عودة المئات من الجهاديين اليمنيين والعرب الذين حاربوا الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. شكّل عدد من هؤلاء المقاتلين الخلايا الأولى لفرع تنظيم القاعدة في اليمن، وانطلقوا في هجماتهم الإرهابية ضد الولايات المتحدة بعد بضع سنوات من تأسيس تلك الخلايا بل وأخذت عملياتهم منذ ذلك الحين في الازدياد، تضمنت أبرزها الهجوم الفاشل ضد مشاة البحرية الأمريكية في عدن عام 1992 وتفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول المتمركزة في ميناء عدن عام 2000، والتي أسفرت عن مقتل 17 بحاراً أمريكياً.

وفي أعقاب هجمات يو إس إس كول وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، شن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حملة شرسة لمكافحة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لكنها لم تكلل جهوده بالنجاح بعد الهروب المفاجئ لـ 23 سجيناً من قادة القاعدة عام 2006 من سجن صنعاء والتي كانت بمثابة حياة جديدة بعثت في روح التنظيم، تزامن ذلك مع فرار عشرات الجهاديين السعوديين إلى اليمن، هربًا من ضغوطات الرياض المتزايدة على الإرهابيين، الأمر الذي أدى الى احياء العمليات الإرهابية من جديد انطلاقاً من اليمن.

تمخض عن هذه التطورات إنشاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية عام 2009 بعد دمج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية وظهر زعيم الجماعة آنذاك ناصر الوحيشي الذي تم القضاء عليه في هجوم بطائرة مسيرة أمريكية في يونيو 2015 في مقطع فيديو بمناسبة تأسيس التنظيم يَعِدْ أتباعه بإقامة خلافة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية.

تحول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ قيامه الى مركز هام لدعم شبكة القاعدة العالمية لاسيما وأن أعضاء القاعدة الجدد كانوا ذوي خبرة قتالية وقدرة عالية على تدريب المتطرفين ومحاربة الأطراف الفاعلة في اليمن وحتى التخطيط لهجمات إرهابية معقدة ضد الغرب. وتجلى دور التنظيم الإرهابي على الساحة العالمية في شن هجمات انتحارية ضد أهداف دولية وغربية، دون التمييز بين المدنيين العُزّل أو العسكريين. ففي عام 2009، نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تفجيراً انتحارياً في اليمن ضد السياح الكوريين الجنوبيين، وفي عام 2015، تبنى التنظيم هجوم شارلي إيبدو الدموي في باريس. بالإضافة الى المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب أمريكية، والتي عُرِفت باسم عملية ” الملابس الداخلية”. أما في عام 2014 وحده، فقد نفذت الجماعة حوالي 150 هجوماً داخل اليمن ضد الحكومة المحلية والمدنيين والحوثيين. واليوم، وبالرغم حالة الضعف الشديد التي يمر بها بسبب عمليات مكافحة الإرهاب على كافة الصعد، لا يزال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يشكل تهديداً مستمراً لدول الخليج والولايات المتحدة تحت قيادة زعيمه الحالي، خالد باطرفي، ولا يزال ايضاُ تمتلك القدرة على تجنيد مقاتلين جدد وتنفيذ هجمات إرهابية كبيرة.

سعت القاعدة إلى تأمين موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية عن طريق اليمن كونها تقع على مضيق باب المندب والذي يربط أسواق النفط في الشرق الأوسط بأوروبا وأمريكا الشمالية، وتربط طرق الشحن البحري بين آسيا وأوروبا، بالإضافة الى أنها تقع على طريق تهريب يربط شرق أفريقيا مع جنوب آسيا.
وتستهدف الذراع الإعلامية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية شبكة القاعدة العالمية و المجندين المحتملين بالإضافة عامة الشعب اليمني، حيث تحتل مؤسسة الملاحم الإعلامية مركز الصدارة من حيث الترويج للقاعدة على المستوى العالمي، بعد أن رسخت مكانتها في مقدمة الأبواق الإعلامية التي تروج لأهداف القاعدة منذ أكثر من عقد من الزمن. كما تعتبر مجلة “انسباير” الإنجليزية التابعة للقاعدة أحد أشهر المجلات التي عملت على تلميع صورة التنظيم وساهمت في الترويج لأفكاره المتطرفة بطريقة مثيرة ووفق توجيهات بسيطة تحرض الأفراد على تنفيذ هجمات إرهابية فردية.
أُديرت المجلة في بداياتها من قبل أنور العولقي رجل الدين اليمني-الأمريكي الجنسية، والباكستاني الأمريكي سمير خان، حيث نجح العولقي في تجنيد عدد من المقاتلين الأجانب ولا تزال أعماله تشكل مصدر إلهام يحفز الكثيرين على تنفيذ الهجمات الإرهابية، حتى بعد أن لاقى حتفه عام 2011 في غارة أمريكية بطائرة “درون” (طائرة بدون طيار) في الأراضي اليمنية، حيث أسفرت الغارة نفسها أيضاً عن مقتل خان. لقد أصبحت الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب أهم مؤسسة إعلامية تابعة للتنظيم خلال عام 2022، نظراً لدورها الكبير في تعزيز قدرة التنظيم على تجنيد عناصر جدد وتحريض الأفراد على تنفيذ هجمات فردية.
في نهاية المطاف، يسعى التنظيم إلى إقامة نظام حكم إسلامي في شبه الجزيرة العربية قائم على تفسيره الراديكالي المتطرف للإسلام من خلال الاندماج مع السكان المحليين لتكوين جماعة من المؤمنين يقفون الى جانبها ضد الحكومات التي تقاتلها. وقد عمدت القاعدة على تحقيق هذا الهدف من خلال الانصهار في المجتمعات المحلية والقبائل عبر الزواج ومحاولة بسط الأمن أو حل النزاعات وتوفير الاحتياجات الأساسية – متى أمكن– لتقوية علاقتها بالعوائل والمجتمعات المحلية؛ وزيادة نفوذها تدريجيا على مساحات شاسعة من الأراضي خارج سيطرة الحكومة اليمنية، بالإضافة الى تعبئة الميليشيات السنية المحلية لتوسيع دائرة نفوذها. كما تعاون التنظيم مع مجموعات لا تشاركها نفس الرؤى والأهداف لكن تشترك معها في المصالح لمواجهة كل من يقف في طريقها.
تُصنف القاعدة في شبه الجزيرة العربية كلاً من السعودية واليمن والإمارات وحكومات الخليج الأخرى عموماً وكل من يدعمهم على المستوى الدولي ضمن قائمة الأعداء المستهدفين، وعملت على مهاجمة كل منهم بطريقة مختلفة بناءً على الظروف الداخلية في اليمن، ومدى قوتهم، و تعرضهم للضغوطات الناجمة عن جهود مكافحة الإرهاب التي تمارسها هذه الدول ضدهم. ففي خلال السنوات الأولى التي أعقبت تأسيسها، وفي وقت شكل فيه المواطنون السعوديون نسبة كبيرة من أعضاء القيادة العليا، حاولت القاعدة في شبه الجزيرة العربية استهداف المملكة بصورة مستمرة في حين قلصت من هجماتها ضد أهداف يمنية لتجنب إثارة أي موجات سخط ضد أنشطتها وانتقلت للعمل في مناطق جديدة من جنوب اليمن، لاسيما محافظات أبين وشبوة تحت اسم “أنصار الشريعة” لتعلن بعدها إقامة إمارتها الخاصة بعد انهيار الحكومة اليمنية خلال انتفاضة 2011.
في الوقت الحالي، يقاتل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على جبهتين: الأولى ضد الحوثيين والجماعة الموالية لداعش في محافظة البيضاء وسط البلاد، والأخرى ضد القوات الحكومية لمكافحة الإرهاب في جنوب اليمن. تعتبر محافظة البيضاء منطقة هامة جداً بالنسبة للقاعدة منذ أن غزتها عام 2012. ومنذ ذلك الحين، عملت على تصوير نفسها على أنها الدرع الحامي والمدافع عن القبائل السنية ضد الحوثيين (وداعش)، واصفة الجبهة بأنها محور الصراع الدائر. ومع بداية عام 2017، تقلصت قدرة القاعدة على القتال على الأرجح بسبب انشغالها بإعادة بناء قدراتها.

وخلال عام 2022، نفذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدة هجمات ضد الحوثيين في محافظة البيضاء، استهدفت سيارات الأخيرة بالقنابل المزروعة على الطرق تجنباً للاشتباكات المباشرة معهم. وفي الوقت ذاته، واصلت القاعدة قتالها على الجبهة الثانية ضد قوات الأمن اليمنية التي شاركت في عمليات مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة والتي تمخض عنها طرد أعضاء التنظيم من المناطق المأهولة بالسكان بالرغم من احتفاظهم ببعض المعاقل الآمنة والتي مكنتهم من الهجوم على القوافل ونصب الكمائن لها أو حتى مهاجمة نقاط التفتيش لاغتيال القادة المحليين.
بالرغم من جميع العقبات التي واجهتها محلياً، لم تغير القاعدة في شبه الجزيرة العربية نهجها المتطرف الذي لطالما تبنته والمتمثل في شن هجمات إرهابية خارجية. فحاله حال التنظيم الأم، لم يتوانى عن شن هجمات إرهابية عابرة للحدود ضد أهداف أمريكية وغربية لإجبار الغرب على إيقاف دعمهم للحكومات ذات الأغلبية المسلمة. ففي اليمن، يلقي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باللوم على الولايات المتحدة لدعمها الحكومتين السابقة والحالية، ودعمها للمملكة العربية السعودية، ودورها في دعم التحالف العربي في اليمن. وبالتالي، أعطى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الأولوية لضرب الأهداف الأمريكية واستمر في تهديده باستهداف السعودية والإمارات. كما حددت الجماعة أفراداً في الغرب كأهداف للاغتيال وسعى إلى تحريض الأفراد لشن هجمات محدودة النطاق في الغرب لتعزيز مفهوم الجهاد العالمي. كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم شارلي إيبدو في فرنسا عام 2015، بعد أن كشف المسلحون عن انتمائهم إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

العقيدة

تبنى تنظيم القاعدة منذ نشأته إلى يومنا هذا أيديولوجية ثابتة هدفت إلى إنهاء النفوذ الغربي في العالم الإسلامي، وبناء خلافة تُوحد الأمة الإسلامية تحت حكم إسلامي واحد وفقًا للتفسير الأصولي المتشدد للإسلام، على العكس تماماً من أهداف واستراتيجية قادة التنظيم والجماعات الموالية له والتي تتغير بتغير الظروف والقدرات والإمكانيات وأماكن النشاط.

ايديولوجياً، استمد أسامة بن لادن وعبد الله عزام وأيمن الظواهري معظم الأسس الفكرية للتنظيم من الفكر السياسي والديني لجماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا في أوائل القرن العشرين، كحركة سياسية دينية ترفض الثقافة الغربية والحداثة والفكر السياسي الغربي، وتناصر فكرة استعادة الخلافة الإسلامية كنظام سياسي مثالي للمسلمين. وتقدس الحركة السلفية الجهادية، بمنظماتها المختلفة بما فيها القاعدة، سيد قطب، المفكر المتشدد في جماعة الإخوان المسلمين، والذي يعتبر أول منظّر للمدرسة الفكرية الجهادية.

استنكر قطب في كتاباته القيم الغربية والأيديولوجيات والعلمانية، وتضمنت أهم أعماله إعادة تعريفه لفكرتين إسلاميتين: الجاهلية (التي تُعرف على نطاق واسع بأنها فترة الجهل قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية) والحاكمية )حكم الله). خلُص قطب إلى أن أي مجتمع مسلم لا يخضع لحكم الله، أي الشريعة الإسلامية الصارمة، يعيش في دولة الجاهلية، وهو ما ينطبق حسب رأيه على المسلمين الذين يعيشون في كنف نظام الحكم العلماني الذين وصفهم بالعيش في حالة كفر، لذلك، اعتبر الحكومات الإسلامية حكومات “غير مسلمة” لأنها، في رأيه، تستبدل القوانين الإلهية بالقوانين الغربية. واعتقد قطب أن الإسلام لا يمكن أن يتكامل مع النظام السياسي والاجتماعي الغربي. مشيراً الى أن الحل لإنهاء الجاهلية هو الجهاد ضد من يمنع تطبيق الإسلام الحقيقي. أُعدم قطب في مصر عام 1966.  ومن هنا جاءت رؤية القاعدة بضرورة الجهاد ضد القوى والحكومات الغربية في المنطقة وفقاً لأيديولوجيات سيد قطب.

في حين مثلت السلفية الجهادية المصدر الثاني من مصادر الفكر الإسلامي الأصولي الذي ساهم في صياغة أيديولوجية القاعدة، والسلفية الجهادية هي حركة أيديولوجية مستقلة داخل الإسلام السياسي يقوم إطارها النظري على تفسير متطرف للنصوص الإسلامية الأساسية. وتؤمن بضرورة العودة إلى الإسلام “الصحيح” الذي تبناه السلف من المسلمين الأوائل الأتقياء.

تعود السلفية في أصولها العقائدية إلى ابن تيمية (1263-1328)، وهو عالم من علماء الدين بزغ نجمه في العصور الوسطى ومن أكثر ما يستشهد به عناصر القاعدة. تأثرت الأيديولوجية الجهادية وكبار مفكريها مثل سيد قطب، والمفكر المتطرف الباكستاني أبو علاء المودوي ، وعبد الله عزام بشكل كبير في معتقدات ابن تيمية، حيث يؤمن الأخير بأن الجهاد هو أحد أهم الأركان الأساسية في الإسلام لكن جاء ذلك في أعقاب الغزو المغولي للعالم الإسلامي، أضف إلى ذلك أن معتقدات ابن تيمية ارتبطت ارتباطاً وثيقًا بالتغيرات الجيوسياسية والدينية التي شهدها بنفسه. لكن لازلت القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى مُصرة على تحريف معتقدات وتعاليم المفكرين الإسلاميين في العصور الوسطى حسب أهوائهم لتبرير وإثبات صحة أعمالهم الإرهابية

ومن هنا نجد أن القاعدة تتبنى إطاراً دينياً متشدداً تأثر بشدة في جماعة الإخوان المسلمين والسلفية لتبرير حروبها الدامية التي تهدف الى الإطاحة بالحكومات الحالية في البلدان الإسلامية واستبدالها بنظام الخلافة الإسلامية. ولا تزال القاعدة حتى اللحظة تضع نصب أعينها استهداف الولايات المتحدة (العدو البعيد) وحلفائها الذين يدعمون الحكومات “المرتدة” في المنطقة عسكرياً وسياسياً. فمذ اليوم الأول سعى بن لادن ومن بعده الظواهري لاستهداف المصالح الأمريكية بهدف إجبار واشنطن على إنهاء وجودها في المنطقة وإيقاف دعمها لحكومات الدول الإسلامية لإيمانهم المزعوم بأن حكومات المنطقة ستنهار وتسقط بيد تنظيم القاعدة في حال توقف الدعم الغربي لها.

النظرة المستقبلية: القاعدة ما بعد الظواهري

تمر القاعدة حاليا بمرحلة انتقالية صعبة وتعيش حالة تخبط واضحة بعد مقتل أيمن الظواهري حيث يشكل تعيين القائد الجديد مرحلة مفصلية لأن ذلك قد يمهد الطريق أمام استراتيجية جديدة للتنظيم. يعتبر سيف العدل المصري الجنسية والبالغ من العمر 62 عاماً أحد أبرز الشخصيات المرشحة للمنصب لاسيما وأنه كان العقل الاستراتيجي العسكري المُدبر للتنظيم. لكن يقال انه يخضع حالياً للإقامة الجبرية في إيران.
إن اختيار عادل لخلافة الظواهري يعني ضمان استمرارية القاعدة في تبني نهجها الذي سار عليه الظواهري مع أنه سبق وأن شكك بن لادن في مدى ملاءمته للقيادة. في المقابل، يشكل وجود عادل في إيران معضلة تزيد من مشاكل القاعدة تعقيداً، حيث سبق وأن تم اغتيال عدد من قادة التنظيم في إيران مثل أبو محمد المصري. وبحسب ما يتم تداوله، كان المصري الخليفة المتوقع للظواهري قبل مقتله.
أما الشخصية الأخرى المحتملة لخلافة الظواهري فهو صهره والرئيس السابق للذراع الإعلامي للقاعدة “السحاب” عبد الرحمن المغربي. يعتقد أن المغربي مسؤول حالياً عن عملية التنسيق بين مختلف فروع القاعدة. كما أن عبد العزيز المصري من ضمن الشخصيات المرشحة أيضا لقيادة القاعدة وهو عضو بارز في القاعدة، وكان أحد المساعدين المقربين من الظواهري.
وتتضمن قائمة المرشحين لخلافة الظواهري أيضاً خالد باطرفي، زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أحد أشهر الفروع التابعة للقاعدة)؛ والمتطرف الجزائري أبو عبيدة العنابي، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأحمد ديري، زعيم حركة الشباب الصومالية. لكن من المستبعد جداً اختيار أياً من باطرفي أو العنابي على اعتبار أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لا يزال في بداياته ويعتبر فرعاً جديداً نسبياً. بالمقابل، إذا تم اختيار الديري أو أي زعيم من زعماء الفروع الأخرى التابعة للقاعدة ليكون الخليفة الجديد، فهذا يعني أن مركز القيادة الرئيسية للقاعدة في أفغانستان وباكستان باتت ضعيفة جداً لدرجة أنه لم تعد قادرة على توفير قادة جدد للتنظيم.
مع ذلك ستواصل أفغانستان لعب دور استراتيجي في معركة القاعدة ضد داعش حول السيادة وقيادة الحركة العالمية السلفية الجهادية، الأمر الذي سيسهم في توفير العديد من العناصر والمقاتلين الجدد لكلا الطرفين. لكن في ظل الظروف الحالية، سيجد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية والقيادة المركزية في أفغانستان وباكستان صعوبة في العمل علانية من أفغانستان. وفي جميع الحالات، وأياً كان الزعيم المقبل للقاعدة، سيتعين عليه التوصل إلى اتفاق عملي مع قيادة طالبان تقوم فيه القاعدة بدور استشاري محدود مقابل الحصول على الحماية و ربما تقوية جذور التنظيم.

انظر أيضاً

المزيد

اتصل بنا

تواصل مع مركز صواب

تعاون. شارك ملاحظاتك. اطرح اسئلتك

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابقوا على اطّلاع دائم بآخر الأبحاث والمنشورات