AlhoAlho
الجماعات المتطرفة

الحوثيون

برزت جماعة الحوثي على الساحة العالمية لأول مرة في أعقاب أطاحتها بحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً. إن استمرار جماعة الحوثي في تبني أيديولوجية التطرف الديني والنزعة الطائفية كانت وستبقى بلا شك مصدر تهديد رئيسي لاستقرار اليمن وتحدٍ إقليمي بحد ذاته.

الوقت المقدر لقراءة التقرير 8 دقائق
07.10.2022

لمحة عامة 

الحوثيون أو كما يُسمُّون أنفسهم “أنصار الله” هي حركة مسلحة متطرفة تتخذ من اليمن مقراً لها، وتمتلك من القوة والتنظيم ما أمكنها من السيطرة على 13 محافظة من أصل 21 في اليمن، وتشمل المناطق الخاضعة لسيطرتها حوالي 70 ٪ من إجمالي السكان. ينتمي الحوثيون في غالبيتهم إلى الطائفة الزيدية أحد أشهر الطوائف الشيعية، لكن تحرص الحركة على عدم إبداء مناصرتها للقضية الزيدية علناً مع أن عموم المناصب السياسية والعسكرية الرئيسية في قبضة الزيديين. يضم التنظيم في صفوفه عناصر من المسلمين السنة، إلا أن الطائفة السنية تعاني من التمييز والعنصرية في المناطق التي يهيمن عليها الحوثيون.

ويزعم الحوثيون محاربتهم للإمبريالية الغربية والهيمنة الأجنبية ويروجون باستمرار للقومية العربية والإسلامية، كما يظهرون كراهية علنية وعداء شديد للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبعض الدول الإقليمية، خاصة المملكة العربية السعودية. بدأ الحوثيون بالظهور على الساحة العالمية وذاع صيتهم بعد مشاركتهم في الانتفاضة اليمنية عام 2011، واستغلال حالة الشغب في البلاد لإحكام السيطرة على مركز قيادتهم في صعدة. وبعد حوالي ثلاث سنوات وتحديداً في عام 2014، استولى الحوثيون بمساعدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أُطيح به في الانتفاضة الشعبية، على العاصمة اليمنية صنعاء، وأطاحوا بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، والذي أضطُر على إثرها إلى الهروب للمملكة العربية السعودية. وفي شهر مارس عام 2015، أعلن التحالف العسكري بقيادة السعودية عن تدخله مباشرةً في اليمن لدعم الشرعية وإعادة حكومة هادي الى السلطة.

وبالرغم من التحالف الوثيق الذي جمع الحوثيين وعلي عبد الله صالح، إلا أن تعاونهم لم يُكتب له النجاح والتوفيق حيث أقدمت جماعة الحوثي على اغتيال صالح في ديسمبر 2017 بعد وقت قصير من إعلان انشقاقه عن الحوثيين وتقديمه مبادرات ومقترحات أثارت حفيظة الحوثيين كونها تصب في مصلحة قوات التحالف. لكن اليوم وبعد مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في الحرب التي وُصِفَت بـ “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” وفق تقديرات للأمم المتحدة.            

ارتكب الحوثيون في اليمن سلسلة من الجرائم والانتهاكات الفظيعة، الأمر الذي جعلهم محط انتقادات عالمية حادة، حيث اتُهِمت الجماعة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لاسيما بعد تكرر عملياتهم المتطرفة من قصف عشوائي إلى تنفيذ هجمات صاروخية وزرع عبوات ناسفة أسفرت في مجملها عن مقتل آلاف المدنيين الأبرياء ونزوح مئات آلاف الآخرين. كما شارك الحوثيون في تنفيذ عمليات خطف لمعارضين ونشطاء سياسيين، بالإضافة إلى ارتكاب جرائم إخفاء قصري وتعذيب وإعدام علني للسجناء والمعتقلين.

ووفقاً لأحدث الإحصائيات التي أعلنت عنها قوات التحالف في ديسمبر الماضي، أطلق الحوثيون منذ بدء الحرب عام 2015 ما يربو عن 430 صاروخاً باليستياً و851 طائرة مسيرة (مفخخة) على السعودية، ما أودى بحياة أكثر من 59 مدنياً. أما في يناير الماضي (2022)، فقد استهدف الحوثيون الإمارات بصواريخ وطائرات مسيرة، أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين. إلى جانب ذلك، أفادت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) أن أكثر من 300 مسجد في اليمن قد تم تدميرها بشكل كامل أو جزئي من قبل جماعة الحوثي. 

تم تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية من قبل بعض البلدان كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وماليزيا، في حين ألغت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيفهم كمنظمة إرهابية في فبراير 2021، نظراً لتخوف إدارة بايدن من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن بسبب هذا التصنيف الذي قد يعيق، في رأي واشنطن، الجهود المبذولة لحل أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

  تحتضن اليمن على أرضها مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة والمؤثرة بالرغم من هيمنة الحوثيين على المشهد، وتضم هذه الأطراف عدداً من القبائل والأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة غير الحكومية. وغالباً ما يتهم الحوثيون معارضيهم وخصومهم السياسيين بالانتماء الى داعش، الأمر الذي حدا بهم الى مهاجمة داعش والقاعدة في شبه الجزيرة العربية وحزب الإصلاح (الفرع اليمني للإخوان المسلمين)، على أمل بناء شراكة قوية مع المجتمع الدولي ضد السلفية الجهادية. ومع ذلك، ينحصر بنك أهداف الحوثيين في اليمن بالجماعات التي تعارض جهود استيلائهم على البلاد، مثل القوات الحكومية وبعض الفصائل لاسيما المجلس الانتقالي الجنوبي.

ظهرت الحركة لأول مرة في أوائل التسعينيات نتيجة لتهميش الطائفة الزيدية مع تزايد النفوذ الوهابي الملحوظ في البلاد، وتعتبر محافظة صعدة الشمالية معقل ومقر الحوثيين في اليمن حيث يشكلون في مجملهم حوالي 30% من سكان الدولة ذات الأغلبية السنية، وتختلف معتقدات الحوثيين في عدة نواحي رئيسية عن تلك التي تتبعها الشيعة الإثني عشرية في إيران ودول أخرى.

تعود جماعة الحوثي في أصولها الى حركة الشباب المؤمنين، والتي بدأت بمخيم صيفي أُطلق في أوائل التسعينيات حيث تمثل الهدف الأساسي من إقامة المخيم في إعادة تعريف الشباب القاطنين في الشمال اليمني بالمعتقدات الزيدية التي ورثوها عن أجدادهم عبر تسجيلات صوتية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن اليمن قد خضع لحكم إمامة زيديّة مدة قاربت الألف عام وانتهت بعد الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1962 في شمال اليمن. وفي ذلك الوقت، كانت مصر بقيادة جمال عبد الناصر أحد أكبر الداعمين للجمهوريين الذين حاولوا الإطاحة بالإمامة، في حين دعمت كل من السعودية والأردن الجانب الآخر.

تمت تسميت الحوثيين بهذا الاسم نسبة إلى الأب المؤسس حسين الحوثي، أحد أشد المعارضين لسياسة الرئيس صالح، واتهمه بالفساد والتعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. وصفه أتباعه بقائد “المسيرة القرآنية” مشيدين بحنكته السياسية والدينية.  وصل الخلاف بين الجانبين إلى ذروته بعدما أعرب حسين الحوثي عن رفضه الكلي لدعم الحكومة اليمنية العلني لـ “حرب أمريكا على الإرهاب” والتي بدأتها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. لكن لم يكن لاحد أن يتخيل أن مقتل حسين الحوثي إلى جانب عدد من عناصره المسلحة أثناء مقاومة اعتقالهم على يد القوات اليمنية الموالية لصالح عام 2004، سيشعل فتيل حرب دامية استمرت لست سنوات بين الحوثيين ونظام صالح، والتي باتت لاحقاً تعرف باسم “حروب صعدة”.

بنية التنظيم    

يعتبر عبد الملك الحوثي مركز الثقل العسكري والسياسي للحوثيين، وهو القائد العام بلا منازع، غالباً ما تشير إليه وسائل الإعلام الموالية للحوثيين بـ “قائد الثورة”، ويمتلك درجة عالية من الهيمنة والنفوذ التي تجعل من قوة وصلاحيات أي زعيم حوثي آخر ترتبط بمدى قربه من عبد الملك لا بلقبه أو منصبه.

يتكون هيكل الجماعة التي يترأسها عبد الملك من شقين: الأول يتألف من الموالين الذين دعموا التنظيم منذ نشأته وخلال “حروب صعدة”، الثاني يتكون من الشبكات الاجتماعية التي بناها الزعيم السابق بدر الدين الحوثي في أوائل التسعينيات. لقد سيطر الحوثيون اليوم على مفاصل الدولة اليمنية بشكل كلي وتم تعيين الموالين لهم في جميع الهيئات المدنية والعسكرية، الأمر الذي أدى وبطريقة غير مباشرة إلى خضوع سلطات الدولة لسيطرة نخبة سرية من كبار المسؤولين الحوثيين.

تتكون آلة الحرب الحوثية من وحدات الجيش اليمني النظامي، ومجموعات قتالية خاصة يقودها زعماء حوثيون رفيعو المستوى، بالإضافة إلى مقاتلين موالين لشيوخ القبائل المناصرة للحوثيين وغيرهم من الوجهاء والأعيان القادرين على حشد الدعم المحلي. لذلك، يتمتع هؤلاء القادة بدرجة معينة من الاستقلال الذاتي، ويعملون كشبكة واحدة من الفصائل المسلحة لدعم الحوثيين في الحرب الدائرة. أما على الصعيد العسكري، تعتبر اللجنة الثورية العليا أهم فصيل مسلح في التنظيم. 

قيادة الحركة

يعتبر حسين الحوثي الزعيم الأول ومؤسس جماعة الحوثي، استمر في قيادة الحركة حتى قُتِلَ على يد الجيش اليمني عام 2004، وانتقلت زعامة الجماعة حينها الى والده بدر الدين الحوثي، أحد علماء الزيدية وعضو سابق في البرلمان اليمني خلال الفترة ما بين عامي 1993 و1997، عن حزب الحق الاسلامي. توفي بدر الدين عام 2010 نتيجةً لأسبابٍ طبيعية عن عمر ناهز الـ 86 عاماً، لكن فعلياً وقبل وفاته، انتقلت زعامة الحركة إلى نجله عبد الملك الحوثي شقيق حسين الحوثي. 

تولى عبد الملك قيادة التنظيم في عام 2006؛ حينما كان يبلغ من العمر 26 الى 27 عاماً، وقاد عمليات الجماعة العسكرية ومبادراتها السياسية منذ ذلك الحين؛ ذاع صيته بشكل كبير بعد تدخل التحالف العسكري في اليمن عام 2015، وقد شهدت الحركة تحت إِمرته تطورا لافتا في قدراتها التنظيمية وتنامت امكانياتها القتالية والعسكرية بسرعة كبيرة. يُعرف عبد الملك بشخصيته السرية والكتومة وانتقاله الدوري من مخبأ آمن إلى آخر، كما يندر له إجراء مقابلات إعلامية، ومعظم المعلومات الخاصة به مستقاة من مصادر ثانوية فقط. ومع ذلك، لا يوجد هناك أدنى شك بأنه لا يزال القائد الأعلى للتنظيم.

أبرز الشخصيات القيادية في جماعة الحوثي بعد عبد الملك:

 يحيى الحوثي، شقيق عبد الملك وأحد القادة السياسيين للحركة. أُجبر على مغادرة اليمن في عام 2007 وانتهى به الأمر في ألمانيا حيث يقيم. حكمت عليه الحكومة اليمنية غيابياً بالسجن 15 عاماً في عام 2010، لدعمه تمرد شقيقه ضد حكومة صالح لكنه لم يُسجن فعلياً.

عبد الخالق الحوثي، أحد أشقاء عبد الملك، تولى منصب قيادي بارز في الحركة، لكنه وبحسب تقارير إعلامية لقي حتفه في غارة جوية للتحالف على الحديدة عام 2018.

يوسف المداني، صهر عبد الملك الحوثي، وقائد عسكري كبير في الحركة وهو أيضاً نائب زعيم الحركة. تدرج المداني في الرتب منذ أيامه الأولى في الجماعة لاسيما إبان حركة الشباب المؤمنين وشارك بقوة في تدريب مقاتلي الحوثي. وبحسب تقارير إعلامية، قُتل المداني في كمين للقوات الشرعية اليمنية في جبهة الساحل الغربي عام 2017.

محمد علي الحوثي، ابن عم عبد الملك وعضو رفيع المستوى في التنظيم. كان جزءاً من النظام الحاكم للحوثيين بعد أن استولوا على صنعاء وعضواً في اللجنة الثورية العليا التي تم إنشاؤها عام 2015. كما أنه عضواً في المجلس السياسي الأعلى، الذي حل محل اللجنة الثورية العليا.

محمد البخيتي، مسؤول سياسي كبير ومتحدث باسم الحوثيين. غالباً ما يُجري مقابلات صحفية مع وسائل إعلام عالمية، مدافعاً عن عمليات الحوثيين وواصفاً إياهم بـــــــــ”حركة وطنية تؤيد بشدة مبادئ القومية العربية والقومية الإسلامية”.

العميد يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين والوجه الأكثر شهرة في التنظيم. شارك في العديد من المؤتمرات الصحفية وأعلن عن الكثير من الاخبار والتطورات المتعلقة بالتنظيم، غالباً ما يزعم شن هجمات بارزة ضد أهداف تابعة للحكومة والتحالف.

الإمكانيات العسكرية

تطورت جماعة الحوثي في هيكلها البنائي بمرور السنوات لتصبح أشبه بالجيوش حيث تشمل ترسانتها العسكرية أسلحة مختلفة قدمتها الجهات الداعمة من الخارج، بالإضافة الى الأسلحة التي تمت مصادرتها من القوات الحكومية عندما اجتاحوا الشمال. وتشير التقديرات الى وجود ما بين 180 الى 220 ألف مقاتل في صفوف الحوثيين.

يمتلك الحوثيون مزيج من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والأسلحة المتطورة مثل الألغام البحرية والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS) فضلاً عن الطائرات المسيرة (والمفخخة) والصواريخ البالستية وصواريخ كروز.

كما تضم ترسانتهم العسكرية طائرات مسيرة من طراز “قاصف”، وصواريخ كاتيوشا 122 ملم بالإضافة الى منظومات الدفاع الجوي المحمولة ميثاق-2؛ ومادة (RDX) شديدة الانفجار؛ وصواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز بركان (H2)، والتي استُخدِمَتْ للعدوان على مدن واهداف في دول الخليج. ويعتقد خبراء الأمم المتحدة بأن صواريخ بركان (H2)، هي نسخة مطورة من صاروخ قيام -1 لكنها أقل وزناً. أما الصاروخ الباليستي “بركان 3″، فهي أطول صواريخ الحوثي من حيث المدى بمسافة تصل إلى 1200 كيلومتر. تم تطويرها من صواريخ قيام، التي ترجع في أصلها الى صواريخ سكود، تلك الصواريخ التي اشتهر بها صدام حسين إبان حرب الخليج.

في حقيقة الأمر، يحظى الحوثيون بخبرة عسكرية واسعة تم اكتسابها من الحرب الدامية التي استمرت لسنوات ضد نظام صالح، والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي، ولعل ذلك ما جرأًها على شن سلسلة من الغارات والهجمات ضد القوات السعودية المتمركزة على الحدود، وإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة من طراز “كاميكازي” على المملكة. يشارك خبراء مختصين من تنظيم حزب الله اللبناني في تدريب جزء كبير من مقاتلي جماعة الحوثي، لاسيما أثناء زياراتهم المتكررة لليمن حيث يتم السماح لهم الوصول إلى مراكز القيادة. 

وفي حين يحظى الحوثيون بعلاقات وثيقة مع العديد من الجماعات الطائفية في العراق، يطلق الحوثيون على بعض حلفائهم في اليمن مصطلح “المتحوثين” إشارة إلى الأفراد الذين انضموا إلى صفوف الجماعة في مرحلة متأخرة ولأسباب غير أيديولوجية. يحمل هذا المصطلح في دلالاته معاني ازدرائية، ولعل هذا ما يفسر النظرة المُهنية من جانب بعض عناصر الحوثيين “للمتحوثين”، الأمر الذي تسبب في حدوث توترات شديدة بين الجماعتين، لا سيما في وسط اليمن. صحيح أن معظم عناصر الجماعة ينحدرون من خلفية زيديّة، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود علاقات وتعاون مع جماعات أخرى تحمل قناعات مغايرة ولا تؤمن بالضرورة في المبادئ الأساسية للطائفة الزيدية.

الهدنة اليمنية

تبقى الهدنة اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة الحل الدبلوماسي الأمثل والخطوة الأولى نحو تسوية سياسية سلمية في اليمن. دخلت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة في اليمن حيز التنفيذ لأول مرة في 2 أبريل 2022 وتم تمديدها بعد ذلك أكثر من مرة كان أخرها في 2 أغسطس الماضي 2022 (للمرة الثالثة)، على أمل الوصول إلى حل سياسي سلمي للصراع القائم بين المجلس الرئاسي اليمني وجماعة الحوثي، التي انتزعت السلطة عام 2014 من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً. لكن في الثاني من أكتوبر الماضي باءت جهود الأمم المتحدة لتمديد الهدنة بالفشل حيث انتهى الموعد النهائي للتجديد دون الإعلان عن أي اتفاق جديد.

وفي كل الأحوال، ربط نجاح الهدنة بتوقف هجمات الحوثيين خارج حدود اليمن دون ممارسة أي ضغوطات مباشرة على وقف أنشطتهم العسكرية في الداخل اليمني عزز موقف الحوثيين السياسي ومكنهم من التأثير على مجريات الحرب ورهن مستقبل اليمن.

وكان من أهم بنود الهدنة وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض بالإضافة الى السماح بدخول السفن المحملة بالمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون (حيث تعتبر الحديدة رابع أكبر مدينة في اليمن فضلاً عن كونها تضم أهم ميناء يطل على البحر الأحمر).
كما تضمنت بنود الاتفاق السماح لحاملي جوازات السفر الصادرة من جانب الحوثيين بالسفر جواً خارج مطار صنعاء؛ في المقابل طلبت الحكومة اليمنية من الحوثيين إعادة فتح عدة طرق رئيسية في مدينة تعز من أجل تسهيل دخول المساعدات الانسانية الى السكان وتخفيف وطأة المعاناة عن المدينة المحاصرة.
شهدت الساحة اليمنية انخفاضاً كبيراً في مستوى العنف بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ حيث تم استئناف الرحلات التجارية من صنعاء إلى عمان والقاهرة، متجاوزةً 32 رحلة خلال الأشهر الأربعة. كما تم السماح لـ 36 سفينة محملة بالوقود بدخول ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون؛ وبالفعل حطت 26 سفينة محملة بمشتقات الوقود (720،270 طن متري) رحالها في ميناء الحديدة، ولازال هناك المزيد من السفن في طريقها الى اليمن.
لكن في حقيقة الأمر، لم يكن من المستغرب قيام الحوثيين باستغلال جميع التنازلات الحكومة، ومحاولة التنصل من التزاماتهم لاسيما فيما يتعلق برفع الحصار عن تعز. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قاموا بزيادة هجماتهم على المدينة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة الى أن 40% من الضحايا الذين لاقوا حتفهم خلال فترة الهدنة كانوا من الأطفال الأبرياء، علماً بأن الحوثيين لم يكن لديهم أي خيار سوى التوقيع على الهدنة في أعقاب الضغوط الكبيرة التي مورِست من قبل المجتمع الدولي وبفضل الوساطة العمانية، وحتى عند اقتراح تمديد التهدئة وافق الحوثيون على مدة شهرين فقط بدلاً من ستة أشهر، وهي المدة الأساسية المتفق عليها مع الحكومة اليمنية والأمم المتحدة.
إن تواصل الانتهاكات والخروقات الحوثية للهدنة بالرغم من تمديدها يطرح شكوكاً حول مدى فعاليتها على الأرض، خصوصاً بعد أن كشف مرصد الهدنة اليمني عن رصد حوالي 1806 خرقاً للهدنة بين 2 أبريل و29 يوليو من العام الجاري. تسببت هذه الخروقات في مقتل 314 شخصاً على الأقل بعد تعرضهم لهجمات صاروخية ومدفعية شنتها قوات الحوثي التي تتحمل وفقاً للمرصد المسؤولية الكاملة عن 95 %من الخسائر البشرية التي وقعت خلال فترة الهدنة، ما يشير إلى مدى صعوبة الوصول الى عملية سلام شاملة ومستدامة تلتزم فيها كافة الأطراف في ظل هشاشة الوضع الأمني في اليمن.

النظرة المستقبلية

ان استمرار جماعة الحوثي في تبني نهج التطرف الديني والنزعة الطائفية سيبقى بلا شك مصدر تهديد رئيسي لليمن وتحدٍ خطير لدول المنطقة. فالحوثيون يناصرون عقيدة إسلامية متطرفة يطوعونها لخدمة أهدافهم والاستيلاء على مؤسسات الدولة. كما يواصل التنظيم استخدام شعارات رنانة تروج للوحدة الإسلامية والقومية العربية ومعاداة الصهيونية بهدف حشد الدعم لقضيتهم وتحقيق تطلعاتهم بإحكام السيطرة على مفاصل الدولة. وفي حقيقة الأمر، سيستمر الصراع المسلح في اليمن طالما هنالك دولة تقبع تحت حكم الحوثيين وستشكل دويلتهم بالتأكيد معضلة للأنظمة الأمنية في المنطقة وتهديداً رئيسي لدعائم الأمن والاستقرار والاقتصاد على مختلف المستويات. 

انظر أيضاً

المزيد

اتصل بنا

تواصل مع مركز صواب

تعاون. شارك ملاحظاتك. اطرح اسئلتك

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية

ابقوا على اطّلاع دائم بآخر الأبحاث والمنشورات